حكايات شيخي العجوز
قديما وليس قديماً جداً كانت هناك على البحر مدينة جميلة بهية، جميلة دون تجمل أو بأقل تجمل ، خلابة من دون تبرج بريئة كل البراءة خجولة نعم قد كانت خجولة أبهى من العذارى في خدرهن هي أجمل المدن و أحلاها قالها الشيخ العجوز في نبرة حزينة وهو يعصر يديه في حسرة واضحة ، استطرد قائلاً هل تعلم أنه عند الصلاة كان التجار كل التجار يتركون محلاتهم من غيرما حارس إلا عصاً قصيرة أو مكنسة توضع أمام الباب ابتسمت قليلاً وكنت قد سمعت هذا الكلام من قبل ولكني قررت هذه المرة مناقشة العجوز أو استفزازه أو جره إلى سرد ذكرياته عن ماضيه الجميل.
قلت لا أصدق أيها الشيخ العجوز، قلتها بنبرة هادئة فيها نوع من الاستفزاز، رد العجوز بنفس الابتسامة ، لم تنطل الحيلة عليه ، اختفت الحسرة وحلت مكانها الشفقة ثم نظر نظرة بعيدة نحو النجوم أبعد النجوم وكأنه يبحث فيها عن مدينته الجميلة عن كوكبه الدري المفقود ثم ارتد بصره حسيراً سريعاً نحوي وأردف قائلاً ، معذور يا بني معذورين جميعا فجيلكم لا يعرف القيم الجميلة إلا من حكايات الشيوخ ولكن صدق أو لا تصدق وأزيدك علما كان البياعين على العربات إذا سمعوا أذان المغرب غطوا عرباتهم وتركوها في أماكنها وصلوا المغرب ولم يعودوا إليها حتى الصباح ضحكت هذه المرة ضحكة كبيرة، ليست من القلب ولكن لاستفزاز الشيخ أكثر وأكثر ، لم أكن أكذبه وما كذبته يوما ولا لحظة ، كنت اعلم علم اليقين أن زمانه جميل وليس له مثيل كقلبه الجميل وكلامه الجميل ، ابتسم ابتسامته الجميلة المعهودة وقال إن شئت أزيدك أو قل أغيظك لقد كانت البلاد فقيرة جد فقيرة، كان دخل المواطن اليومي قد لا يتعدى القروش العشرين قد يصل ربع دينار ولن يصل أبداً نصف دينار، رددت بسرعة في نبرة فيها بعض من الخبث والتهكم ولا يختلس ولايسرق ولا يأخذ عمولة ولا يغش في عمله، ضحك هو الآن ضحكة كبيرة كمن أحرز السبق أو على الأقل بعض النقاط، ثم قال هذه مصطلحات جديدة لم نكن نعلمها أو حتى نفهمها هذه مصطلحات زمن العولمة أو اللبرلة أو قل القولبة، هذه مصطلحاتكم ومصطلحات زمانكم ، همس وهو يقلب الجمر تحت براد الشاي مساكين جداً مساكين ثم علا صوته حتى يسمعني : بعدما تزوجت بشهور وقبل أن تنجب فكرت أن أشتري لأمك قطعة من الذهب ، وكانت النساء عندنا لا تخرج إلى الأسواق ولايغادرن البيوت من دون سبب، قاطعته معقول، رد على كن درراً مكنونة، عن الابتذال مصونة ، لن تعقل ولن تعقل أبدا ذلك، المهم، لما ذهبت المحل قابلني التاجر صاحب المحل بالترحاب وأجاب عن طلبي بالعديد من القطع الجميلة التي حيرت اختيارى، لمس التاجر هذه الحيرة، أو كأنه اعتادها فلا يفهم في الذهب أكثر من النساء أخذ قطعة من القماش ووضع فيها قطع الذهب وأنا انظر إليه في استغراب ثم صرها ووضعها في كيس وقال خذها لبيتك وليختار أهلك ما شاءوا ثم هاتها وهكذا فعلت ثم بادرني قائلا لو قلت معقول؟ هذه المرة قذفتك بالبراد هذه أمك واسألها ؟ ردت الأم من دون سؤال وأكثر من ذلك؟
هبت بعض من نسمات الصيف العليل، أحيت جذوة النار، تذكر الشيخ الشاي تناول البراد وصب لي ولنفسه كوبين فاحت رائحة النعناع من الكوب اتكأ الشيخ بيديه على الوسادة ، استرسلت النسمات، ولمعت النار ثانية تأملت الشيخ فإذا هولا يزال يبحث في عنان السماء عن فردوسه المفقود ، اتكأت على ظهري واضعاً رأسي بين يدي أتأمل حالنا وأحاديث الشيخ حتى غلبني النعاس.
إلى اللقاء مع حكاية أخرى